صحة نفسية

التعلق المرضي بالشريك: متى يصبح خطيراً؟

[14 يوليو، 2022] قد يكون الحب، من أسمى المشاعر التي يسعى الإنسان لها. بالإضافة إلى أنه حاجة علمية وروحانية في آن معاً. إذ، يعمل الحب على تحقيق الإشباع الذاتي، ودعم الثقة بالنفس، وتحقيق التوازن الفكري، والجسدي، والعاطفي في الوقت نفسه. في المقابل، نجد أن مقدار الإحتياج العاطفي يختلف من شخص إلى آخر، تبعاً لظروفه الحياتية، والطبع المتأصل في شخصيته. كذلك، هناك أشخاص كثيرون، يسعون إلى طلب هذه الإحتياجات بشكل مستمر من الشريك، دون الوعي بأنفسهم. وهذا، ما قد يؤدي إلى زيادة الضغط على الشريك الآخر، على المدى الطويل. ومن هنا ينشأ ما نسميه التعلّق المرضي بالآخر. إذاً، ما هو التعلّق المرضيّ بالشريك؟ ومتى يصبح خطيراً؟

مقالات مرتبطة:

التعلق المرضي بالشريك: الخوف الدائم من الإنفصال

” إن أولئك القادرين على أن يكونوا وحدهم، هم فقط القادرون أن يحبوا، وأن يشاركوا، وأن يذهبوا عميقاً في الشخص الآخر “. قد تبدو هذه العبارة، للفيلسوف والمتصوف الهندي ” أوشو “، على أنها مثالية، وأقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. ولكن في الحقيقة، الحب هو الطريقة الأسمى، التي يمكنك من خلالها فهم ماهية هذا الكون، والإبحار في أخلاجك، ومن ثمّ التوصل إلى المعنى المجرّد للمفاهيم الحياتية وطرق التعامل معها.

من ناحية أخرى، يوجد أشخاص غير سعيدين في علاقاتهم، ولكنهم لا يستطيعون الإنفصال والمغادرة. وهذا ما قد يكون ناتجاً عن العلاقات العاطفية السّامة، أو عدم قدرتهم على فهم المعنى العميق للحب، وتداعياته الحقيقية على النفس البشرية. ومن هنا تنشأ أفكار أقرب إلى السوداوية عن الذات. من أبرز هذه الأفكار، ” لن يحبني شخص آخر على الإطلاق، لذا يجب أن أبقى “. ” لا ينبغي أن أكون صعب الإرضاء “. ” كيف لي أن أكمل حياتي بدونه “. ” لن أستطيع تحقيق أي شيء في حياتي إذا ابتعدت عنه “….

إن هذه الأفكار، قد تكون نتيجة عدم فهمنا لجوهر الحب، وعدم فهمنا لأنفسنا. وذلك، لأن الحب لا يمكن أن يرتبط بأشياء مادية يستطيع المرء تحقيقها لوحده. فالحب هو التحام جسدي وروحي، يثقل المرء، ويعطيه دعماً وقدرة على فلسفة قضاياه الحياتية. ونتيجة لكل ما ذكر سابقاً، سنستعرض بعض الأسباب التي تجعلك متشبثاً بشريك حياتك، عندما تعلم تمام العلم أنه عليك التخلي عنه.

1- إقناع النفس بأنه ليس هناك خطأ

لسوء الحظ، إن الإنكار هو الدواء المفضل لدى الكثيرين، ولا سيّما النساء. وعليه، تسعى غالبية النساء إلى التأكيد على ضرورة نقل صورة أنها مرغوبة من قبل الرجال، وأنها مشبعة عاطفياً من الشخص الذي تربطها معه علاقة. ولكن، في الحقيقة هي لا تفعل شيء سوى أنها تسيء لنفسها، عبر الكذب المستمر على نفسها، بالإضافة إلى أنها تهرب على الدوام من مواجهة مشاكلها النفسية، بإقناع نفسها أنه لا يوجد أي خلل.

2- الإدعاء المستمر بالسعادة

لقد اعدتنا منذ صغرنا على تطبيق عبارة، أنه إذا كان الجيد يفوق السيء، فعلينا الإلتزام بالشخص. ولكن، مفهوم الجيد والسيء يختلف اختلافاً جذرياً حسب الظروف الشخصية والوعي الفردي. كذلك، يعود إدراك مفهوم الجيد والسيء، حسب إدراك الجوهر الحقيقي للحب. إذ، لا يمكن وضع تلبية الإحتياجات المادية في العلاقة، في الخانة نفسها بالإشباع الذاتي الذي يحققه الحب. لذلك، لا تدعي السعادة دائماً، وتحاول أن تظهرها لمن حولك، لأن هذا تأكيداً واضحاً على أنك لست سعيد.

3- التركيز على الماديات والتغاضي عن الجوهر

تتمحور الرواسب البالية في المجتمع، على إقناع المرأة في التركيز أولاً على المواصفات الخارجية للشخص، وعلى المنصب الوظيفي، بالإضافة إلى السفر، والجنسية، والقدرة على شراء مقتنيات مادية… فليس مهماً أن تفكري في مستوى تقبلك لهذا الشخص وتفاهمك معه على المدى البعيد. فالأهم هو تلبية إحتياجاتك المادية، وصورتك العامّة أمام الناس والمجتمع. يا لهذا الهراء!! فهذا ليس سوى استخفاف بالنفس، وتحويل الإنسان إلى سلعة. إن مفاد الحب هو الإعلاء من شأن الإنسان، ودعم ثقته بنفسه وتحسين نظرته لها، وليس العكس. لذا، إذا كنت من النساء اللواتي تقنعن أنفسهن بهذا الأمر، دون النظر إلى الأمور الأخرى الأكثر اهمية، فهذا يعني أنه يجب عليك إعادة النظر بمستوى وعيك الخاص، وإيجاد الحلول اللازمة.

4- الخوف من البقاء وحيداً

” الوحدة لا تزرع شيئاً بل تجعل كل الأشياء ناضجة “. إحدى عبارات الفيلسوف الألماني ” فريدريك نيتشه “. بالطبع، ليس مطلوباً منك أن تبقى وحيداً، ولكن الخوف من البقاء وحيداً قد يكون ناتجاً عن عدم الفهم الكافي بالذات، وعدم القدرة على تقبل النفس كما هي. أمّا فيما يخص العلاقات، قد يسبب الخوف من البقاء وحيداً دون شريك، العديد من المشاكل والإضطرابات النفسية مع مرور الوقت. من المرجح أنك ستشعر بفراغ في البداية، ولكن إذا كنت تعلم بأن الإستمرارية أصبحت صعبة للغاية، فسيكون الإنفصال طريقة ناجحة لإعادة بناء نفسك من جديد، واحتمالية الحصول إلى علاقة حب متينة، تساعدك على دعم ثقتك بنفسك من جهة، وتشعرك بالسعادة من جهة أخرى.

5- القلق من عدم إيجاد الأفضل

قد لا نرغب أحياناً بالإعتراف بذلك، ولكن هناك سبب آخر لتشبثك بالشريك، وهو القلق من عدم إيجاد شخص أفضل منه. في الفترة الاولى، ستجد نفسك أنك تقارن الشريك القديم، بكل الأشخاص الذين تقدم على التعرف عليهم. إلاّ أنه، ومع مرور الوقت وعندما تبدأ في إعادة بلورة مفهومك اتجاه نفسك، ستتغير نظرتك تماماً للحب، وكيفية التعامل معه. سيسمح لك التروي بإيجاد شخصاً تستحقه ويستحقك.

6- الإصرار على التمسك بالذكريات والأيام الخوالي

تريد أن تعرف لماذا من السهل أن تقنع نفسك بأن التشبث أمر طبيعي؟ بالطبع، لأنك ما زلت عالق في الأشياء التي اعتدت عليها أن تكون. أنت عالق في التفكير بقصص قديمة، لم تعد تجدي أي نفع مع تغيّر شكل العلاقة وطريقة التعامل. على سبيل المثال، قد تفكر دائماً بالإجتماع الأول، وبالعبارات الجميلة التي اعتدت على سماعها منه في السابق. لكنك، في هذه الحالة يجب أن تعي أنك في الحاضر، والماضي لا يعود.

7- وضع الشريك في المرتبة الأولى

إن وضع الشريك في المرتبة الأولى دائماً، دليل كاف على تشبثك بالعلاقة العاطفية، وتعلقك المرضي به. إذ، يساعد الحب على دعم محبتك بنفسك، وجعلها بمرتبة أفضل، وليس العكس. ولكنك، إذا وجدت نفسك أن تقدم تضحيات وتنازلات لا تدعم المحافظة على جوهر الحب، فيجب عليك الإنتباه جيداً إلى هذا الأمر.

إن التعلق المرضي بالشريك، يصل إلى حدّ الهوس، الذي يفقد الإنسان القدرة على السيطرة على مشاعره. كذلك، قد لا يكون هذا التعلق ناتجاً عن حب للشريك بالطبع، لأن الحب هو حالة من التجانس الفكري، والجسدي، والروحي تسعى إلى تحقيق التوازن الذاتي قبل المحافظة على العلاقة بالآخرين. ضمن السياق المذكور، يشير علماء النفس والباحثون، بأن الإدمان على الحب، هو نوع من السلوكيات المنحرفة التي تجعل الإنسان محدوداً فكرياً، ومتخبطاً داخلياً.

هناك أسباب عديدة، ينتج عنها التعلق المرضي بالشريك والتشبث به:

  • عدم الوعي الكافي بالنفس الداخلية.
  • عدم القدرة على فهم الجوهر الحقيقي للحب، نتيجة الأفكار الخاطئة التي تحاوط الإنسان.
  • عدم القدرة على العطاء.
  • تقديم النفس كسلعة.
  • الفراغ العاطفي الناتج عن علاقات عاطفية سابقة.
  • النقص العاطفي من العائلة.
  • الإضطرابات النفسية.

وأخيراً، ما زال الحب أفيون الإستمرارية في هذه الحياة. فكيف يمكن لمفهوم سام، بحث فيه أبرز الفلاسفة، والمفكرين، وكتب عنه أفضل الأدباء، وجسده الفن بجماليته وسحره، أن يتخذ منحى ماديّاً ومحدوداً، يزيد من حدّة التخبطات النفسية والإنكار الذاتي. الحبّ ليس تلبية حاجات، وإنما هو مفهوم يعطي قيمة لا متناهية للمعنى والوجود الإنساني.

ندى جوني

كاتبة محتوى إلكتروني، أعمل في مجال الأبحاث. حاصلة على شهادة البكالوريوس، وأحضر حالياً لنيّل شهادة الماجستير. مهتمة بالقراءة والكتابة والتأليف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى