ما هي ثقافة ” المينيماليزم “؟
” [23/3/30] الأقلّ هو الأكثر “!! هذا هو شعار روّاد ” المينيماليزم “، وهي ظاهرة أو ثقافة تسعى إلى اعتماد مبدأ البساطة، والتحرر من زخرفات الثقافة الإستهلاكية، التي باتت تغرقنا في بحر من الديون، وتجعلنا رهناً للمنتجات المادية، التي لا تحقق أي شعور من الإستقرار الذاتي، الإكتفاء العاطفي، والسلام الداخلي. إذاً، مرّت عقود طويلة، حيث كان التراكم المادي والتكديس للمقتنيات، أحد المعايير الأساسية للأمان الذي يتوق إليه الجنس البشري برمّته. ولكن، ارتفعت الصرخات مع بداية القرن الحادي والعشرين، منادية باعتماد التقليلية أو ما يعرف تحت مسمّى ” المينيماليزم “. إذاً، ما هي ثقافة ” المينيماليزم “؟ وما هي أبرز خلفياتها وجذورها التاريخية؟
مقالات مرتبطة:
1- ” المينيماليزم “: تجسيد للجوهر الإنساني أم وجه آخر للإستهلاك المفرط !!
لقد شاع استخدام مصطلح ” المينيماليزم “، كنمط حياة يهدف إلى تقليل مستوى الإستهلاك المادي، والتخلص من كلّ من هو غير ضروري. فالمقتنيات لا تحقق إلاّ شعوراً من السعادة الآنية، التي لا تدخل بدورها عمق الشعور الإنساني وآلية تحقيق توازنه.
لذلك، سيكون اعتماد مبدأ التقليل، غاية للوصول إلى الحرية التامّة، والإبتعاد عن المعايير الإجتماعية البالية التي أدخلت الناس بالضغوطات والإكتئاب.
في المقابل، يتكرر أمامنا مصطلح ” المينيماليزم “، بكثرة على منصة ” إنستغرام “، و ” بينتسرت “. إذاً، هل حافظ مصطلح ” المينيماليزم “، على جوهره أمّ انه تحوّل إلى ترند جديد يجسّد الإستهلاك بطريقة فاضحة؟
2- جذور ” المينيماليزم ” التاريخية
الترفع عن الدنيوية، والزهد المادي!! من المفاهيم التي وجدت وبكثرة في الحضارات القديمة التي تعطي أهمية بالغة للروح على حساب الجسد. كذلك، نادت الأديان السماوية أيضاً، بالترفع عن الماديات، وإعطاء الأولوية للمضامين الإنسانية, إلاّ أن مصطلح ” المينيماليزم “، ظهر في البداية في مقال للفيلسوف ” ريتشارد ولهايم “، حيث أشار فيه إلى اتجاه فني جديد يرفض الأساليب الكلاسيكية والتعبيرية التي كانت رائجة في ذلك الوقت.
من ناحية أخرى، وقبل ذلك ببعض السنوات، بشّر المهندس المعماري ” باهاوس “، باعتماد طريقة جديدة للبناء، تتضمن خطوطاً وهياكل أكثر بساطة وإنسيابية. ظلّ مصطلح ” المينيماليزم ” لفترة طويلة ضمن الأطر الفنية والهندسة المعمارية، حتى أواخر العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين. عندما بدأ المصطلح يتحوّل إلى أسلوب جديد، يدخل في جوانب حياة الإنسان كافّة.
3- كيف تحوّلت ظاهرة ” المينماليزم “، إلى فخ إستهلاكي جديد؟
هل شاهدت الفيلم الوثائقي الذي أنتجته منصّة ” نتيفلكس “، “ذا مينيماليزم”، (2021)، والذي يلخّص قصة جوشوا فليدرز ميلبورن و رايان نيكوديموس، وهما صديقان يعيشان في الولايات المتحّدة. كانا يحظيان بحياة فاخرة وفارهة عام 2009، ولكنهما كانا يعانيان من الإكتئاب واليأس.
نتيجة للضغوطات التي مرّا بها، قررا اعتماد مبدأ التقليل والتخلّص تقريباً من 90% من ممتلكاتهما ليجدا أن هذا هو الجوهر الحقيقي للسعادة. إذاً، جسّد الفيلم رحلتهما الملهمة في اعتماد المينيماليزم، كأسلوب حياة متوازن يحرر الإنسان من الضغوطات المادية، التي تفقده وعيه وتوازنه الإنساني.
هل هذا كلّ شيء؟ بالطبع لا!! في وقت لاحق، ظهرت المحترفة ” ماري كوندو “، التي قرعت طبول التقليلية، على مواقع التواصل الإجتماعي ومنصّة يوتيوب، تزامناً مع إصدار كتابها ” سحر الترتيب “، الذي بيعت منه ملايين النسخ. تساعد ماري كوندو الأشخاص على ترتيب منازلهم، والتخلّص من كل المقتنيات التي تجلب لهم الضغوطات.
لكن، ما قد يثير للسخرية، هو كيف للإنسان أن يشعر بأن هذا الغرض يسبب له حالة من الإكتئاب؟ وهل من يمتلك دخل مادّي محدود قادر على تبديل مقتنياته بهذه السهولة؟ أليس هذا عنوان جديد للإستهلاك؟
كذلك، وفي موقع ” كونماري “، الذي تمتلكه ماري كوندو، يمكنك شراء الكثير من المنتجات باهظة الثمن التي تحقق شعور من الأمان والإستقرار حسب ما تذكره، وتجعلك قادراً على اعتماد أسلوب المينيماليزم. على سبيل المثال، يصل سعر الصابونة الواحدة إلى 40 دولار!! هل هذه هي ثقافة التقليل التي تحرر الإنسان من عبودية المقتنيات؟
” 4- ستيف جوبز “: جوهر الإستهلاك في قالب سخيف من البساطة!!
يعدّ المدير التنفيذي لشركة ” آبل “، أيقونة تنادي بالبساطة، والتي تعتبر بأن نجاح منتجات شركة ” آبل “، اعتمد على مبدأ ” المينيماليزم ” الذي يتبناه. غالباً ما يظهر ستيف جوبز يرتدي الجينز مع سترة سوداء، باهظان الثمن.
أمّا السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا، لماذا تعدّ منتجات آبل الأغلى عالمياً؟ ولماذا لا يستطيع شراؤها سوى فئة محدّدة من الناس؟ أليس ” ستيف جوبز “، أحد أبرز الأيقونات الخدّاعة التي تخفي شبكة معقّدة من الممارسات الإستهلاكية؟
إذاً، وعند الحديث عن ما هي ثقافة ” المينيماليزم “. لا يمكن التغاضي عن أنّ هذه الظاهرة باتت ترند إستهلاكي جديد لا يستطيع اتباعه سوى الأغنياء.
إذاً، فتبسيط الحياة والزهد عن الماديات، هي التخلّص من سطوة المقتنيات والممتلكات على حياتنا، وليس اعتماد موضة جديدة تناهض الممارسات الكلاسيكية، ولكنها تمجّد الحياة الإستهلاكية بطريقة أخرى.
لذلك، خرجت التقليلية من جوهرها الإجتماعي، الإنساني، وحتى الفني لتصبح ثقافة استهلاك تزيد من حدّة الضغوطات الحياتية التي تسبب الإكتئاب والإحباط.