كيف نتجاوز الماضي ونتصالح معه
[2022/11/14] تتأرجح حياة الإنسان بين ترسبات الماضي، التي تعدّ أساسية في بناء شخصيته، ووعيه، وطريقة تعامله مع كلّ ما يجري من حوله، وبين المستقبل المجهول الذي لا يستطيع فهم ماهيته بشكل واضح. قد ننسى أن نتماهى مع اللحظة الحالية، التي تجسّد جوهر وجودنا، بهدف تخليدها في الأذهان. بل على العكس تماماً، نغرق في مآسي الماضي من جهة، والحسرة على الأيام الخوالي من جهة أخرى. لذلك، خصصنا هذا المقال للحديث عن كيف نتجاوز الماضي ونتصالح معه؟
مقالات مرتبطة:
الماضي: أسير الإنسان وجوهر تخبطاته
من المؤكد أنه سبق لك، واستلقيت على سريرك لتخلد إلى النوم، بعد يوم عارم من التعب والضغوطات التي تشمل الجوانب الحياتية كافة. وبدلاً من النوم، تبدأ بتذكر مواقف حصلت معك في الماضي، وقرارات أثرت على حياتك بشكل سلبي، ويبدأ شعور الندم وجلد الذات، بالسيطرة عليك في سكون الليل وظلامه. لماذا لم أفعل ذلك؟ هل أخطأت هنا؟ نعم ساعات وساعات من التفكير المفرط، لتجد أنك استسلمت للنوم، وفقدت متعة الإستمتاع به. من الطبيعي أن نمرّ بمواقف وعقبات، تجعلنا عاجزين عن تجاوزها أحياناً. ولكن، سيؤدي هذا السفر الذهني، غير المجدي إلى سلب اللحظة الحاضرة، ما قد يؤدي إلى تشتت عارم، وصعوبة تامة في أخذ القرارات الصائبة. لذلك، كيف نتغلب على شبح الماضي وترسباته الدفينة؟
1- ابتكر/ي تعويذة إيجابية
بهدف مواجهة الأفكار المؤلمة التي تظهر من وقت إلى وقت آخر. يجب أن تعتمد/ي طريقة إيجابية وواعية للتحدث مع نفسك، والتي تجعلك تندفع/ين إلى الأمام، وتساعدك على تجاوز الآلام والإنغماس بفشل الماضي من جهة، مع الخوف التام من المستقبل من جهة أخرى. على سبيل المثال، وحسب أخصائية علم النفس الإكلينيكي ” كارلا مانلي “، عوضاً عن قول: ” لا أصدق أن هذا حدث لي “، قل/ قولي: ” أنا محظوظ/ة لأنني قادر/ة على إيجاد مسار جديد في حياتي “.
2- تصالح/ي مع ذاتك
من الخطوات الأساسية التي تساعدك على التخلص من عقبات الماضي والتفكير به، هو الإعتراف بما يعيقك. ما الذي تتمسك/ين به؟ علاقة فاشلة؟ موقف عائلي أليم؟ غدر من صديق أو أحد المقربين؟ هل تحتاج/ين إلى المسامحة من شخص ما، بهدف التخلص من هذا الغضب الذي يسبب أفراطاً في التفكير، يدخلك في دوامة يصعب الخروج منها؟ بمجرد أن تحدد/ي، وبشكل موضوعي الأسباب الكامنة خلف تعلقك بالماضي، سيتغير حتماً مسار حياتك، وسيصبح من السهل التصالح مع الذات، والتفكير بالمستقبل دون الخوف منه.
3- غيّر/ي عاداتك العاطفية
يعدّ تحديد العادات العاطفية أحد أكثر الأجزاء صعوبة في تجاوز الماضي، لأنه يتطلب مستوى كبيراً من الوعي وقدرة على تأمل النفس. إذاً حاول/ي أن تسأل/ي نفسك، كيف تعيش حياتك العاطفية؟ هل أنت قارد/ة على تحقيق الإكتفاء العاطفي؟ بالطبع، نحن لا نقصد العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة. وإنّما، مستوى وعيك في إدارة عواطفك والسيطرة عليها. على سبيل المثال، عندما تعتاد/ين على المشاعر السلبية، فستصبح/ين رهن أفكار اليأس، والإحباط، والقلق…مما يجعلك تعيش/ين في صراع كبير بين ما أنت عليه في الحاضر، وما كنت عليه في الماضي. لذلك، يجب أن تعير/ين إهتماماً بالغاً لعاداتك العاطفية، وطرق تعاملك مع العقبات التي تواجهك.
4- علم/ي نفسك أن تكون/ي حاضر/ة
تذكر/ي دائماً أن الحاضر هو الوقت الوحيد الذي تستطيع/ين امتلاكه. إذ، يتواجد المستقبل فقط في خيالك، والماضي في ذاكرتك. والذكريات تشوبها الأكاذيب أحياناً. فما يحدث الآن، هو الحقيقة الوحيدة الملموسة والمحسوسة في آن معاً. ولهذا السبب، لا يوجد أقوى وأمتن من الأشخاص الذين يسخرون حواسهم، ومشاعرهم، وطاقتهم الروحية على اللحظة الحالية. إذاً، علم/ي نفسك أن تكون/ي حاضر/ة، لتلتقط/ي مشاعر السعادة بجوهرها، والتي تساعد بدورها على تحقيق التوازن النفسي.
5- حاوط/ي نفسك بأناس إيجابيين
ما الذي يفصل بين من يحقق أهدافه، وبين من لا يستطيع تحقيقها؟ إنه ليس الوقت ولا حتى المهارات. إنه قانون الجذب. ينطبق قانون الجذب على جوانب الحياة جميعها. بعبارة أخرى، إذا كنت تلتقي/ن بأشخاص يذكرونك بهذا الماضي التعيس، فابتعد/ي عنهم قدر الإمكان. وحاول/ي أن تتقرب/ين من الأشخاص الذين يشعرونك بإيجابية، لأن تبادل الطاقات الصحيحة، ضروري لتحقيق شخصية متوازنة وسليمة.
6- مارس/ي تمارين التأمل بانتظام
أثبتت الدراسات والأبحاث، أن التأمل ممارسة ضرورية ومهمة لتحسين الرفاهية النفسية والمحافظة على حالة مزاجية جيدة. ضمن السياق نفسه، يساعد التأمل على ضبط تركيزك وتحويله نحو اللحظة الحاضرة، وهذا ما يجعلك قادراً على فهم كينونتك الحالية، والإحساس بها، مع مغادرة الماضي الذي اعتدت أن تتوجه إليه دائماً. إذاً، سيقدم التأمل مساحة ذهنية، تسمح لك بالتفكير في لحظتك الراهنة بشكل انسيابي ومريح، مما يؤدي إلى زيادة قدرتك على التعامل معها.
” أنا لست ما حدث لي، أنا من اخترت أن أكون “، هذه إحدى مقولات عالم النفس السويسري كارل يونغ. الحياة مليئة بالعقبات، والتخبطات، والمشاكل التي تساهم في تدمير الإنسان، وفقدانه السيطرة على نفسه. لا أحد يعلم ماذا سيحدث في المستقبل، ولا أحد يستطيع إدراك مستوى الوعي الذي سيصل إليه في المستقبل ليقارنه بشكل مستمر بالماضي. فاللحظة الحاضرة، هي اللحظة التي يجب أن تدوم وتخلّد في الذاكرة، وباستمرارية. وهذا لن يحدث إلاّ إذا استطعنا تعلّم كيف نتجاوز الماضي ونتصالح معه.