حياة صحية

التعري على السوشيل ميديا: أسلوب تحرر أم محدودية بشكل آخر؟

[2 أغسطس، 2022] أصبحت كلمة ” الحرية “، من أكثر العبارات التي تتردد في عصرنا الحالي. وذلك، لأنها تخفي وراءها بعض المفاهيم المجردة والوجودية التي تحدّد هوية الإنسان، ونظرته تجاه نفسه من جهة، ومحيطه من جهة أخرى. في المقابل، يساء أحياناً فهم ماهية الحرية، وكيفية التعبير عنها. وهذا ما يأتي نتيجة التراكمات التي طالت المجتمع العربي منذ عصور. بعبارة أخرى، غالباً ما نربط الحرية، بالمظهر الخارجي وكيفية نظر المجتمع إلينا، دون الإلتفات إلى أنها حصيلة تراكمات فكرية، وبلورة للوعي الفردي. وبما أن مواقع التواصل الإجتماعي باتت أداة للتعبير عن الرأي، بشكل عشوائي وفوضوي، في أحيان كثيرة، بات الحديث عن الحريات، والمطالبة بتحرر المرأة، أشبه بترند مبتذل واستهلاكي. ولذلك، خصصنا هذا المقال للحديث عن ظاهرة التعري على السوشيل ميديا.

مقالات مرتبطة:

1- التعري على السوشيل ميديا: ظاهرة آخذة بالتصاعد

اقتصر التعرّي في المجتمعات الغربية أو العربية سابقاً على نجوم السينما والمشاهير. كذلك، راج إقبال كبير على الموضة، التي كانت ترتديها النساء اللواتي يمتلكن أجساداً رشيقة، ويتبعن حميات غذائية صارمة، تؤدي في أحيان كثيرة إلى الإكتئاب والموت. شكلت هذه الظواهر العديدة، ما يعرف تحت مسمّى ” الأيقونة “. وأصبح التمثل بهذه العينات، الحلّ الأفضل للوصول إلى المثالية والسعادة المفرطة. ولكن، هل خطر ببال الأشخاص الذين يتهافتون اليوم على ممارسة التعري على السوشيل ميديا، المضاعفات النفسية التي كانت تصيب المشاهير ونجوم السينما، حيال الإستعراض المفرط لأجسادهم؟ والتسليع الذاتي والنفسي الذي كانوا يمارسونه على الدوام؟

ساهم الإقبال المتزايد على استخدام مواقع التواصل الإجتماعي، كوسيلة للتعبير عن الحريات والآراء الشخصية في تغيير مفهوم الحرية. إذ، بات الأشخاص يلجأون إلى الطرق السهلة والسطحية للتعبير عن حريتهم، وارتفع بدوره مستوى المحدودية الفكرية التي باتت أقرب إلى العبودية. بعبارة أخرى، باتت الأفكار تقدم بشكل ثابت وواضح، وضعت العقل في سجن الأفكار المعلبة التي تعارض تماماً ما كان معتمداً في السابق، ولكنها لا تقدم نموذج عن الحرية في الوقت نفسه.

وبما أن الحرية في ارتداء الملابس، قضية تطالب فيها المرأة العربية، منذ زمن. فأصبح باستطاعة السوشيل ميديا أن تستبيح للمرأة هذه الحرية، تحت مسمى ” الفاشونيستا “، أو بحجة المطالبة بالحريات العامة، أو نتيجة لهوس الشهرة الذي تحلم فيه نساء كثيرات، وحتى الرجال.

2- الأسباب الكامنة خلف التعري على مواقع التواصل الإجتماعي

هل أصبحت الحرية مرتبطة بالمظهر الخارجي فقط؟ أليس هذا أشبه بعبودية من نوع آخر؟ هل يمكن للإنسان أن يكون محدوداً بهذا الشكل؟ وإذا كان التعري نتيجة الإقناع المكرر بالثقة بالنفس، والقدرة على امتلاك الذات، ومحاربة الفكر الذكوري. فهل تعمل المرأة فعلاً على كسر القواعد الإجتماعية من خلال التعري؟ أم أنها تؤكد على حتمية الفكر الذكوري بطريقة مغايرة؟

أصبح التعري وسيلة للشهرة على مواقع التواصل الإجتماعي. لكنه، حمل في طياته تدميراً للعقول والجوانب الروحية. من ضمن الأسباب الكامنة خلف التعري على مواقع التواصل الإجتماعي:

  • الإنفتاح الكبير على مواقع التواصل الإجتماعي، وتقبل جميع الآراء دون حسّ نقدي.
  • الإضطرابات السلوكية والنفسية الناتجة عن الطفولة.
  • تدني مستوى الثقافة، وانحسارها بشعارات سطحية نمطية.
  • الإنجذاب التام نحو إدعاء الحرية، والإعجاب بالتبجحات الموجودة على مواقع التواصل الإجتماعي.
  • انعدام الثقة بالنفس، وتسليع الذات بهدف تحقيق غايات مادية.
  • عدم القدرة على فهم ماهية الحرية وطريقة التعبير عنها.
  • الإعتقاد بأن الإنسلاخ عن عادات المجتمع وتقاليده يحقق الإشباع الذاتي.

على الرغم من أن التمرد ينشأ كنتيجة للحرمان من ممارسة أنواع متعددة من الحرية. والتعري على مواقع التواصل الإجتماعي بات يشكل حالة من التمرّد، نتيجة الإصرار على الحصول على الحرية المنشودة. ولكن، من يتبع أسلوب التعرّي، فهو بالطبع غير مدرك لمعنى الحرية وجوهرها.

3- إمتلاك الجسد أم استهلاكه لتعويض نقص نفسي؟

من أبرز الحريات التي تطالب المرأة بها اليوم هي ملكيتها لجسدها، وإظهاره بالطريقة التي تحلو لها. على الرغم، من أن التعريّ كان طريقة للتسويق في وقت سابق، ولكنه أصبح اليوم نموذجاً للتعبير عن الحريات على مواقع التواصل الإجتماعي.

وأخيراً، امتلاك الجسد لا يعني أن يعرض بهذا الشكل المدقع على مواقع التواصل الإجتماعي. لسنا مشاهير ولا أيقونات إغراء، لتسويق أنفسنا بهدف تحقيق أرباح مالية. إذا كنت عزيزتي من الأشخاص اللواتي يطالبن بهكذا نوع من الحريات، فأنت ما زلت في إطار العبودية الفكرية والمجتمعات الحيوانية.

إمتلك ذاتك، وعقلك، في البداية . وسيصبح جسدك ملكك. الثقة بالنفس، تتناقض تماماً مع حملات لفت الأنظار التي نراها يومياً على مواقع التواصل الإجتماعي. الوعي الفردي يبدأ من الداخل وليس من الخارج. وأخيراً، التعرّي على السوشيل ميديا، ليس إلاّ ظاهرة توثق السقوط الفكري والإنحلال الأخلاقي. فمن يشعر بالحرية فعلاً، ليس مضطراً بأن يقنع من حوله بأنه حرّ.

ندى جوني

كاتبة محتوى إلكتروني، أعمل في مجال الأبحاث. حاصلة على شهادة البكالوريوس، وأحضر حالياً لنيّل شهادة الماجستير. مهتمة بالقراءة والكتابة والتأليف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى