حياة صحية

مواقع التواصل الإجتماعي: حقائق مخيفة

[تاريخ النشر: 5 ديسمبر، 2021] عندما نُشرت رواية «الرابح يبقى وحيداً»، للروائي البرازيلي باولو كويلهو، عام 2008، لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي قد اجتاحت روتين الحياة اليومية بهذا الشكل المفرط. في الرواية المذكورة، تقول إحدى الشخصيات: «انسَ أمر الأفلام، فليس مهرجان كان سوى عرض للأزياء». تشرح هذه العبارة النفاق الاجتماعي بشكل دقيق. وتسلط الضوء على فلك الثلاثية التي تتحكم بعقول العالم أجمع، أي: «السلطة، والشهرة، والمال«. كذلك، يغوص كويلهو في التناقضات النفسيّة للطبقة المخمليّة المتحكمة بجوانب حياة الإنسان المعاصر. وأخيراً، يحاول قدر الإمكان التأكيد على الهوّة الشاسعة بين جوهر الحياة الحقيقي، وبين الزيف الذي تظهره وسائل الإعلام التلفزيونية، وأغلفة المجلات العالمية. إذ تؤكد دائماً ولو بطرق مبطنة على أن «المثالية ترافق القدرة على الإستهلاك المادّي بشكل أكبر«.

مقالات مرتبطة:

قد تتساءل عن مدى ارتباط رواية باولو كويلهو «الرابح يبقى وحيداً»، بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العقول. ولكن، ما حاول الروائي البرازيلي القيام به، هو توثيق ليلة واحدة من مهرجان كان السينمائي، طارحاً خلف هذا التوثيق جدليات فلسفية عميقة. إضافة إلى ذلك، قد تدرك تماماً ضخامة مهرجان كان السينمائي، وأهميته في صناعة المشاهير، ونجوم السينما.

مواقع التواصل الاجتماعي: متاهات تطهير آنيّة

أصبح ارتياد مواقع التواصل الاجتماعي مرّات عدّة خلال اليوم الواحد، أمراً طبيعياً. ولكن السؤال الذي يُطرح: ما القيمة المضافة التي يقدمها إرتياد المواقع سوى حالة من الصخب الفارغ، لأشخاص يسعون للتعبير غير المجدي في أحيان كثيرة. وذلك من خلال منشور على موقع فيسبوك، لا يدل على عمق معرفي.

استخدامُ مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من 54 ساعة أسبوعياً، يدلّ على أن الشخص يعاني من اضطرابات نفسيّة.

من ناحية أخرى، ترى على صفحات السوشيل ميديا، حياة مثالية ووردية، خاصة على منصّة إنستغرام، المليئة بالصور المعدّلة، بشكل فاضح لأشخاص لا يفعلون شيئاً، سوى ممارسة حالة من الإنكار الدائم. وذلك، عبر اعتماد الإستراتيجيات نفسها في تصوير تفاصيل حياتهم، وقدرتهم الإستهلاكية العالية، في شراء أغلى الماركات التجارية. بالإضافة إلى بث شعور وذباذبات، بأنهم ينعمون بحالة من السعادة المطلقة. فهم بحسب اعتقادهم، لا يعيرون أي اهتمام للكينونة الإنسانية، وصراعات الأسئلة الكونية. والتي فصلتها المدرسة الوجودية، بزعامة الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، وتحديداً  في كتابه «أسطورة سيزيف». هم بمنأى عن كل المعاناة، وفي نفس الوقت إذا أرادوا التضامن، مع قضية مصيرية، يكون بهدف زيادة المعجبين ليس إلاَّ. كلّهم مشاهير، ومؤثرون، ويستحقون المتابعة، وقادرون على إعطائك مواعظ ونصائح عن الإرادة، والإصرار، وأسرار النجاح في جوانب الحياة الاجتماعية والمهنية. بإختصار، كلٌّ منهم يسعى لصناعة هالته الخاصة.

ضمن السياق نفسه، نستحضر مقولة الرسام الأميركي «آندري وورهول» في إحدى مقابلاته، في أواخر ستينيات القرن الماضي: «في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشاهير خلال 15 دقيقة فقط». انطلاقاً من كل ما تقدم، يُطرح السؤال التالي: ما هي الخلفيات النفسيّة المؤدية إلى ما يعرف اليوم بهوس الشهرة؟

الشهرة على السوشيل ميديا: بين الهوس وإشباع الرغبات الذاتية

مواقع التواصل الاجتماعي

بدايةً، لا بدَّ من العودة إلى المراجع النفسية، لتحليل دوافع بعض السلوكيات على مواقع التواصل الاجتماعي. حيث يقسّم عالم النفس الأميركي «أبراهام أوسلو»، الإحتياجات البشرية إلى خمسة أقسام:

  • الذاتيّة: أيّ الرغبة في التميّز، والتفرّد، والإحساس بالأفضليّة.
  • الاجتماعية: وهي عبارة عن شبكة العلاقات الأسرية، والعاطفيّة والقدرة على التواصل مع الآخرين.
  • الفيزيولوجية: أي الحاجات الأساسيّة للعيش.
  • الأمنيّة: والتي تتضمن الشعور بالإطمئنان، وعدم الخوف والقلق.
  • الحاجة للتقدير: والتي تحمل مجموعة مقاييس. على سبيل المثال، الإحترام والتقدير، والشعور بالقوّة والقيمة العالية.

لذلك، وعلى ضوء تشريح أوسلو النفسي، يمكن القول بأن الرغبة في التقدير، هي أكثر ما يدفع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، للبحث عن الشهرة، بهدف إشباع الرغبات الذاتيّة. وتعويض النقص في الجوانب النفسيّة، أو الإجتماعيّة، أو الماديّة. كما يمكن القول، بأنَّ الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، باتت ملاذاً آمناً للهروب من هذه المشاكل، وتعزيز حب الظهور بشكل أكبر.

في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشاهير خلال 15 دقيقة فقط

آندري وورهول، رسام أميركي

ضمن السياق نفسه، تعرّف الإخصائيّة فاتن سلامة، في مقابلة تلفزيونيّة لها بأن كلمة «هوس»، تعني نوعاً من الإضطراب الناتج عن خلل نفسي معيّن. لذلك، بحسب سلامة، فإن الإشباع الذاتي لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، يتحقق من خلال التفاعل مع منشوراتهم، وإحصاء عدد المشاهدات والإعجاب.

من المؤكد أنه وإلى جانب الإضطرابات النفسية التي تؤدي إلى هوس الشهرة بشكل مرضي، هنالك مشكلة كبيرة في الثقافة، والوعي الفردي. إذ، لا يمكن أن تكون هذه الحالة من الإنكار والتشتت، ناتجة فقط عن إضطرابات نفسية، وإنما أيضاً عن إنحدار فكري يشمل جوانب الإنسان كافة.

أنا على السوشيل ميديا… هل أنا مهووس؟

قد يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ السؤال التالي: هل كلُّ من يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يشارك منشوراً خاصاً به فهو مضطرب؟ بالطبع لا. إذ، يحدّد «هوليداكشن سنتر»، ست نقاط يمكنك الإجابة عنها، للتأكّد ما إذا كنت تعاني من الإضطراب النفسي، الذي بعرف بهوس الشهرة:

  1. هل تقضّي معظم وقتك بالتفكير في المحتوى الذي سوف تنشره على صفحتك؟
  2. أتستيقظ خلال الليل لمراقبة نسبة التفاعل مع المنشور؟
  3. ما مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على حياتك الاجتماعية، والأسرية، والعاطفية؟
  4. كيف تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة سلبية على إنتاجيتك المهنيّة؟
  5. بإمكانك الإستغناء عن هاتفك المحمول لمدّة ساعة من الزمن، خلال وقت فراغك؟
  6. تشارك دائماً حياتك الخاصة بتفاصيلها البسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

وأخيراً تؤكد جامعة كاليفورنيا الأميركية، في سلسلة أبحاث أجرتها، بأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من 54 ساعة أسبوعياً، يدلّ على أن الشخص يعاني من اضطرابات نفسيّة. كذلك، يستعرض أحد الباحثين في علم النفس ميتش برينشتاين، من جامعة نورث كارولينا، أن من يسعى لهذا النوع من الشهرة، ينطلق غالباً من دوافع الهروب من حالة العزلة، ولو بشكل متخيّل. إلاَّ أن الحقيقة، أن هذه الممارسات المكررة يومياً، تشبع شعور الوحدة لفترة آنية، حتى يصبح الشخص مرهوناً لهذا الإشباع.

مواقع التواصل الاجتماعي: بين الإيجابيات والسلبيات

من المعروف بأن مواقع التواصل الاجتماعي لاقت إقبالاً متزايداً، بعد دخول الهواتف الذكية إلى حياتنا اليومية. حيث تشير الدراسات إلى أن عدد المستخدمين، ازادد بشكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة. مثالاً على ذلك، يستخدم 3.96 مليار شخص حالياً مواقع التواصل الاجتماعي، مقارنةً بعام 2015. حيث كان يبلغ العدد 2.07 مليار. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت المدّة الزمنية لتصفح السوشيل ميديا، من 5% يومياً إلى 15%.

سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي:

إنّ الإستخدام المتزايد لما يُعرف بالسوشيل ميديا، يمكن أن يؤدي إلى خطورة كبيرة دون أن يعلم الشخص المستخدم لها. قد يعاني هؤلاء الأشخاص من أزمة وجودية، تجبرهم على طرح أسئلة من قبيل: لماذا لا أحيا حياة هؤلاء المثالين؟ ولما لا أستطيع إمتلاك الأحذية ومستحضرات التجميل خاصتهم؟ لما جسمي ليس رشيقاً مثلهم؟ ستقود هذه الأسئلة حتماً إلى حالة من عدم الثقة بالذات.

  • دراستان حول أثر مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية:
  1. دراسة نُشرت في مجلة ” Current Opinion of Psychology ” أكدت أن متابعة صور الرحلات، والسفر، وغيرها… على مواقع التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى الإكتئاب.
  2. دراسة أجرتها جامعة ميشيغان، خلص فيها الباحثون إلى أنه كلما ازداد الوقت الذي يقضيه المتصفح على وسائل التواصل الاجتماعي، تزداد مشاعر الغيرة والاستياء.
تأثير مواقع التواصل الإجتماعي
رسم توضيحي حول تأثيرات مواقع التواصل الإجتماعي.

إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي:

قد لا نخفي أنه وإلى جانب هذه السلبيات، هناك بعض الإيجابيات التي يمكن أخذها بعين الإعتبار. على سبيل المثال، من الأمور التي توفرها مواقع التواصل، هي التسويق للمنتجات والخدمات دون دفع مبالغ كبيرة من المال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تستخدم هذه المواقع بطريقة صحيحة أحياناً عبر نشر التوعية، والتواصل بشكل أسهل. لكن يظل التسويق إحدى أبرز إيجابيات السوشيل ميديا، ولكن تسويق الخدمات والمنتجات، وليس تسويق وتسليع الذات.

الجانب المظلم للسوشيل ميديا:

يمكن وضع المتصفح للسوشيل ميديا في خانة المتلقي، شأنه شأن الرأي العام الذي يتأثر بما يٌطلق عليهم بالـ ” إنفلونسر “. لذا، فإن أموراً وحقائق، لا بد من اللإلتفات إليها:

  • ليس على الجميع أن يكون مشهوراً.
  • على المتصفح أن يعلم بأن ليس كل ما يراه حقيقياً، إنما خاضع لما يُعرف بالـ ” Filter “.
  • لا يمكن أن تكون سعيداً وإيجابياً طوال الوقت. وإلاَّ فهذا دليل على الهروب من الواقع.
  • تذكر أن النجاح يولد بعد إخفاقات متكررة. فإذا رأيت قصص نجاحٍ فقط على المواقع، وأنت في مرحلة إخفاق، فلا تيأس.
  • عليك أن تعرف أيضاً، بأن ما تم نشره على السوشيل ميديا، هو عينة صغيرة من حقيقة كل شخص. وأن خلف هذا الحياة الوردية، خبايا كثيرة، لا يمكن توقعها.

لا تعتقد بأنك إذا صورت نفسك وأنت تقرأ كتاباً لدوستويفسكي، فهذا يعني أنك أيقونة ثقافية. أو إذا قمت بنشر لوحة تجريدية لإحدى الرسامين المشهورين، بأنك من القيمين على الفن. بعبارة أخرى، من يثق بنفسه، وبقدراته، ليس مضطراً لأن يظهر ويبرز نفسه بهذه الطريقة المستفزة إلى أبعد الحدود. لذلك، ننصحك عزيزي القارئ إعادة البحث في ذاتك وتوجهاتك، بعيداً عن هذه الترهات.


ندى جوني

كاتبة محتوى إلكتروني، أعمل في مجال الأبحاث. حاصلة على شهادة البكالوريوس، وأحضر حالياً لنيّل شهادة الماجستير. مهتمة بالقراءة والكتابة والتأليف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى