لماذا نغيّر صورنا على مواقع التواصل الاجتماعي؟
[تاريخ النشر: 28 أبريل، 2022] على الرغم من أهمية التكنولوجيا الحديثة في تسهيل حياة الإنسان العملية والعلمية، إلاّ أنها أحدثت تغييرات عميقة في النفس البشرية، التي لم تعد كما كانت من قبل. هل ما زلنا نشعر باللحظات السعيدة؟ ولماذا بات همنا الأساسي توثيق حياتنا في صورة على مواقع التواصل الإجتماعي؟ وهل نحن أمام جدلية نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي؟ أبعد من ذلك، ما هي الأسباب النفسية ولا سيّما الفكرية الكامنة خلف نشر الصور، وتغييرها، وتحديثها؟
في نظرة نوستالجية نرى أنَّ التصوير ارتبط قديماً بتوثيق اللحظة، لاستحضار ذاكرتها فيما بعد، وتحديداً في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. إلا أنه ومع انتشار الهواتف الذكية، أصبح التصوير متاحاً في أي وقت كان. مما جعله يفقد المتعة التي كان يضفيها على حياة الأفراد. ومع تقنية «السيلفي» أصبحت العلاقة مع الصورة تدخل في أطر أوسع وأشمل، حيث باتت تؤثر بشكل كبير على علاقة الإنسان بنفسه.
هل تجسّد الصور تخبطاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي؟
«هيا لنحمّل صورتنا على الواتساب، أو الإنستغرام، أو الفيسبوك» . من المؤكد أنك ستتوقع العدد الهائل من الصور التي سيتمّ تصويرها قبل اختيار الصورة الأنسب لمواقع التواصل الاجتماعي. ماذا يعني الصورة الأنسب؟ ماذا يجب أن تظهر هذه الصورة؟ وماذا يجب أن تخفي؟ بالطبع يجب أن تظهر شخصية متوازنة، ومثالية، وسعيدة، وناجحة، وواثقة بنفسها، وجذابة، وأنيقة… ويجب أن تخفي كل التخبطات الشخصية التي نعيشها يومياً. ولكن، هل يمكن أن يظهر كل هذا في صورة جامدة وغير متحركة، التقطت ضمن مئات الصور غيرها. ومن هنا لا بدّ من السؤال، ما هي الخلفيات النفسية لجملة الصور هذه؟ ولماذا نسعى دائماً إلى تغيير صورنا؟
أسباب تغيير الصور على مواقع التواصل:
تتداخل الأسباب الإيجابية والسلبية أحياناً، والتي تدفع الناس إلى تغيير صورها على مواقع التواصل الاجتماعي.
1- جذب الإنتباه
من أولى الأفكار التي قد تخطر على بال الأشخاص عند إقدامهم على تغيير صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي هي لفت الإنتباه. إن الصورة تجذب انتباه الأشخاص الذين يتابعونك. من ناحية أخرى، يمكن أن تضاعف الصورة إحتمالية التفاعل. نظراً لأن أدمغتنا تستجيب بسرعة كبيرة للصور والألوان، مقارنة بالمحتويات الأخرى، ما قد يجعل الصورة مادّة تثير إنتباه الناس.
هل تعلم أنّ:
الناس يتذكرون 10% فقط مما يسمعونه بعد مرور 72 ساعة.
دراسات
لذلك، يحمل تغيير الصورة في هذه الحالة أوجهاً سلبية تتعلق بمحاولة تعزيز شعور الثقة بالنفس بشكل آني، وهروب من مواجهة المشاكل النفسية. وكذلك، الإنكار الدائم عبر التأكيد بطرق واهية، بالإحساس بشعور السعادة المطلقة. إلاّ أنه وفي الوقت نفسه، قد يكون تغيير الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي أمراً مسلياً وتحديداً للأشخاص الذين لا يستخدمون هذه المواقع باستمرار.
2- الهروب من المشاكل النفسية الدفينة
تشير بعض الدراسات إلى أن الناس يتذكرون 10% فقط مما يسمعونه بعد مرور 72 ساعة. ومع ذلك، إذا قمت بإقران المحتوى المكتوب بصورة، فيمكن أن يقوم الأشخاص بتذكر 65 % من المعلومات بعد ثلاثة أيام.
قد يحمل هذا السبب تأثيراً إيجابياً، إذا كان بغاية نقل محتوى توعوي. ولكن، قد يصبح مجرد لفت نظرٍ، في حال كان ناتجاً عن تخبطات نفسية منها: إنعدام الثقة بالنفس، أو الإنكار، بهدف الهرب من المشاكل الدفينة كما قلنا سابقاً.
3- الإكتئاب
بالطبع أنك رأيت عند تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي، صورة لشخص ما باللونين الأبيض والأسود، مع وضعية فنية ومقولة عميقة. هذا مذهل حقاً! في هذا السياق، أجريت دراسة حديثة في جامعة هارفرد تظهر أن نشر صور أحادية اللون، قد يكون علامة واضحة على الإصابة بمرض الإكتئاب.
4- التضامن مع قضية ما
قد يكون تغيير الصور على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التضامن مع قضية ما أو مع حدث مأساوي. إنه، وبهذه الطريقة تستطيع التعبير عن أفكارك ومواقفك حيال ما يحدث. بالإضافة إلى ذلك، لن تتعرض للإنتقادات بسبب عدم تقديمك الدعم المعنوي للقضايا الإنسانية، أو الاجتماعية، وحتى النفسية.
إقرأ أيضاً / في أسلوب الحياة:
5- إظهار اللامبالاة بعد الإنفصال
بعد أي انفصال عاطفي، تجيش العواطف من قبل أحد الشريكين، مما يجعله يفيض بأحاسيسه وآلامه. وطالما أن مواقع التواصل الاجتماعي، هي منصة في متناول اليد، يقوم أحد الشريكين، بلفت إنتباه الآخر، وإغراق الصفحات على مواقع التواصل، بالعبارات، والأشعار، والمقولات، تحت صور الدموع والورود.
6- الوحدة
قد تكون الوحدة من أبرز الأسباب الكامنة وراء تغيير الصور على مواقع التواصل الاجتماعي. خاصة أن عدداً كبيراً من الأشخاص يعانون من الخواء الفكري، والعاطفي، والاجتماعي، مما يدفعهم لتكريس وقت كبير لمواقع التوصل الاجتماعي، ونشر الصور، والرد على التعليقات، ومن ثم تمضية الوقت.
7- النرجسية
يشاركنا بعض الأشخاص صوراً من تفاصيل حياتهم. يشاركوننا صورهم من: أعياد الميلاد، العزائم، النادي الرياضي، حفلات الزفاف، من الجبل، والبحر، والبر، والطيران، وبعض الأحيان من غرف النوم. كل هذا يدل على أن الشخص الذين يشاركنا هذا الكم الهائل من الصور، هو شخص نرجسي، ومهووس بنفسه.
بعد سرد أبرز أسباب نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن القول إنَّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ملاذاً آمناً للهروب على المستويات كافة. تارة من العقبات اليومية التي يتعرض لها الإنسان، وتارة من المشاكل النفسية، وتارة للتعبير المهترئ عن الثورات والقضايا الإنسانية. لذلك، وفي خضمّ هذه الفوضى، وهذا التشتت والتعقيد الذي نعيشه اليوم أصبح الوعي العام ضرورة ملحة. كذلك، أصبح فهم الدوافع النفسية الكامنة خلق ردود الأفعال أمراً في غاية الأهمية.
تفاعل معنا وشاركنا تجربتك في خانة التعليقات أدناه، أو على مواقع التواصل الاجتماعي