[1/9/2022] هل تودّ/ين التفاعل مع القضايا الإجتماعية، والسياسية، والشخصية في العالم العربي؟ إفتح/ي هاتفك الذكيّ وأنت جالس/ة على سريرك، اعصر/ي دماغك لساعات وساعات، لكتابة منشور تعاطفي، مع أي قضية تريدها. ستجد/ين مئات من التفاعلات مع هذا المنشور. ولكن، ماذا بعد؟ على الرغم من أن الفيسبوك يعدّ من الوسائل المفيدة والممتعة، التي تحقق التواصل والتفاعل مع الآخرين. إلاّ أن الإفراط في استعماله، واعتباره منصّة هادفة لمعالجة الأزمات والقضايا الجوهرية والوجودية، بات يشكّل أزمة كبيرة. ساقت بدورها الناس إلى حالة من السقوط الفكري والعجز التّام، في مواجهة الواقع والتعامل معه. لذلك، سنستعرض في هذا المقال، كيف أصبح الفيسبوك منصّة للتفاعل المهترئ مع القضايا؟ ولماذا صار الإدمان على تصفحه روتيناً يومياً؟
1- الإدمان على فيسبوك: نحو صناعة واهية للهوية الفردية
زاد الإقبال على استخدام الفيسبوك في الآونة الأخيرة، كمنصّة للتفاعل مع قضايا عديدة، وتحديداً في المجتمعات العربية، التي تشهد تفككاً يطال الجوانب الحياتية كافة. ضمن السياق المذكور، تؤكد الأبحاث، أن اعتبار الفيسبوك وسيلة للتعبير عن الآراء المتنوعة، ساهم بدوره في تحقيق السعادة، والإعلاء من الشأن الثقافي والفكري الخاص.
إلاّ أنه، وفي المقابل يرتبط الفيسبوك أحياناً بالإكتئاب، وعدم تقدير الذات، وانحدار الوعي الفكري والشخصي.
ستساعدك حتماً التعليقات الداعمة والتفاعل مع منشوراتك، في زيادة احترامك لذاتك وتقديرها
كذلك، ساهم الفيسبوك، في خلق حالة من التضليل الجماعي، والعجز عن معالجة الواقع الصعب لتغييره. إذ، باتت هذه العينات تغرق في حالة من الإفتراضية، التي تشبع الفرد لفترة آنية، دون القدرة على إنجاز تخطيط طويل الأمد، ودون فهم ماهية التراكمات التي تطال المجتمع.
تذكر المعالجة النفسية ” ميليسا سترينجر “، في ” سانيفيل “، في ولاية تكساس: ” يعتبر استخدام منصّة فيسبوك موضوعاً إشكالياً، يختلف من شخص لآخر. ولكن، عندما يدخل فيسبوك بتفاصيل اليوميات، فإنه يصبح أشبه بعلامة حمراء تثير التساؤلات “.
2- ما مرد الإدمان على استخدام الفيسبوك؟
تشير الأبحاث والدراسات إلى أن مواقع التواصل الإجتماعي، وتحديداً الفيسبوك، تنشط مركز المكافأة في الدماغ. وذلك، عبر توفير شعور واضح بالقبول الإجتماعي، في شكل إبداءات الإعجاب، وردود الأفعال الإيجابية. بمعنى آخر، يؤدي التفاعل على الفيسبوك، بتوفير إشباع فوري للذات. ستساعدك حتماً التعليقات الداعمة والتفاعل مع منشوراتك وصورك، في زيادة احترامك لذاتك وتقديرها.
إلاّ، أن الإدمان في الحصول على الإعجاب والتفاعل الآني، يمكن أن يسبب إنحرفاً واضحاً في النظرة تجاه الذات، والفهم المغلوط لآلية التعامل مع القضايا المصيرية والجوهرية. من ناحية أخرى، قد يسبب إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي، ولا سيّما الفيسبوك، إلى اضطرابات في النوم، تساهم بدورها في زيادة مستويات القلق والتوتر، وعدم القدرة على إنجاز المهمات اليومية. كذلك، يمكن أن يؤثر الفيسبوك على صحتك العقلية، من خلال انعدام التركيز وزيادة الشعور بالعزلة والوحدة.
3- كيف تتخلص/ين من إدمانك على منصّة فيسبوك؟
لا يمكن إنكار أهمية استخدام منصّة فيسبوك في تسهيل إمكانية التواصل مع الأصدقاء والآخرين. ولكن، في الحقيقة قد نجد التخفيف من استخدام الفيسبوك، خياراً ليس سهلاً، وخاصة للمدمنين على استخدامه كأداة أساسية للتواصل.
ساعد الفيسبوك على تحقيق التواصل بشكل مريح مع ثقافات ومجتمعات مختلفة، والذي كان من الأمور الصعبة في وقت سابق. وذلك، من خلال الإطلاع على آراء الآخرين وثقافتهم، أو عبر الإنضمام إلى مجموعات تعنى بجوانب فكرية، واجتماعية عديدة. إلاّ أن الشيء المقلق، هو أن استخدام الفيسبوك زاد عن حدّه لدرجة أنه أصبح بمثابة الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الأفكار الجوهرية، التي تحتاج في أحيان كثيرة إلى ممارسات على أرض الواقع. ومن هنا، بدأت أعراض الإكتئاب، والقلق، وعدم الثقة بالنفس تزداد بشكل كبير. لا بدّ من القول أن التخلّص من الإدمان على الفيسبوك يحتاج إلى جهد كبير وإرادة قوية، ولكنه ليس مستحيلاً في الوقت نفسه.
أبرز الخطوات للتخلص من هذا الإدمان؟
- خذ/ي إستراحة!!
يحتاج الفرد أحياناً إلى أوقات من الراحة لتحقيق الصفاء الذي يساعده على إعادة تنظيم حياته، والتفكير في العقبات التي واجهها بهدف العيش بإيجابية وسلام. لذا، وحسبما ذكرنا سابقاً، فإن الفيسبوك يساهم في زيادة التوتر وعدم الرضا عن الذات. لذلك، ابدأ/ي تدريجياً بالتوقف عن استخدام الفيسبوك. على سبيل المثال، يمكن القيام بإقفاله يوماً واحداً فقط، ثم يومين، وبعدها أسبوع. ستشعر/ين بصعوبة بالغة في البداية. إلاّ أن هذا الأمر سيصبح في غاية السهولة مع الوقت، خاصة إذا كنت تعلم/ين أهمية الراحة لتنظيم حياتك العملية وتحسين حالتك المزاجية.
- انتبه/ي جيداً لمزاجك عند استخدام فيسبوك
إذا كنت تستخدم/ين الفيسبوك، بهدف التسلية بعد يوم طويل من الإرهاق، فلا مانع. كذلك، إذا كنت تريد/ين التفاعل مع المجموعات التي تقدّم معلومات مفيدة، في مجالات متنوعة، فلا مشكلة. ولكن، احرص/ي على الإنتباه إلى حالتك المزاجية قبل استخدام الفيسبوك. بعبارة أخرى، إذا كنت تشعر/ين بالتوتر، أو الإكتئاب، أو النفور من بعض الظروف التي تؤثر عليك، لا تقترب/ي بتاتاً من تصفح الفيسبوك. لأن هذا سيؤدي حتماً إلى زيادة نسبة العجز في التعامل مع العقبات، واعتبار الفيسبوك المنصة الوحيدة للتفريغ، على المدى الطويل. وهذا سيحمل نتائج كارثية لا تؤثر بشكل فردي وحسب، وإنما تصل إلى حدّ التأثير الجماعي.
- ركّز/ي على مهارات أخرى
الإنسان متغيّر، وهو في سعي دائم إلى تطوير نفسه، لتحسين صورته تجاه نفسه من جهة، وتجاه المجتمع من جهة أخرى. وبما أن استخدام الفيسبوك، يمكن أن يصيب المرء بانعدام الثقة بالنفس، والإكتئاب، والكسل. يُنصح باستبدال الوقت الذي تتصفح/ين فيه الفيسبوك، بممارسة مهارات أخرى، تحقق لك إشباعاً ذاتياً. على سبيل المثال، قراءة الكتب، أو تعلّم لغات، أو ممارسة تمارين رياضية جديدة…
إن استخدام منصّة فيسبوك بين الحين والآخر بهدف التواصل، أو الإستفادة، أو التسلية لا يعتبر مشكلة نفسية. ولكن، إن الإفراط في استخدام هذه المنصّة، كجزء لا يتجزأ من تحقيق الإشباع الذاتي، أو معالجة القضايا المصيرية، وحتى بهدف ممارسة التطهير النفسي ،والتماهي المزيّف، عبر نيل الإعجابات والتفاعلات، فتلك هي المشكلة. ومن هنا، يمكن القول إن الإفراط في قضاء الوقت على منصات التواصل الإجتماعي، وتحديداً في المجتمعات العربية، زاد من حدّة العجز في تغيير الواقع الذي لا يحتمل.