الوحدة في العلاقة: لماذا قد يصبح الزواج جحيماً؟
[30/9/2022] عندما يتمّ طرح موضوع الوحدة، يخايل في الأذهان، مشهدية تتضمن شخصاً يجلس بمفرده في غرفة مظلمة. إلاّ أن واقع الوحدة لا ينطوي على الإنعزال المادّي والجسدي، بل يتمحور حول العزلة المعنوية والذاتية. بعبارة أخرى، قد تجد نفسك أنك إنسانٌ وحيدٌ وسط صخب كلّ الأشخاص الذين يحيطون بك. انطلاقاً من ذلك، نحن في صدد الحديث عن الوحدة التي تجتاح العلاقة الزوجية، لتحوّلها إلى علاقة باردة فاقدة إلى طعم المتعة واللذة. إذاً، كيف تنشأ الوحدة في العلاقة الزوجية؟ وكيف يمكن للزوجين التغلب عليها؟
مقالات مرتبطة:
الزواج: أفيون التجدد والإستمرارية في حياة فانية
ثارت المرأة العربية، في الآونة الأخيرة، على مؤسسة الزواج باعتبارها ممارسة مدمّرة للطموح وسبل تحقيق الأحلام الكبيرة. في الواقع، تبلورت هذه الفكرة نتيجة المفهوم الخاطئ للزواج من جهة، والمضاعفات النفسية التي يعاني منها كلا الطرفين نتيجة تجربة الزواج غير المدروسة من جهة أخرى.
عندما تسأل أغلب المتزوجين من حولك عن تجربتهم الزوجية. فأولى الإجابات التي تتلقاها بأن كلّ شيء يصبح مختلفاً بعد الزواج. كذلك، قد ينقلون لك بطريقة غير مباشرة طاقة ملل ولو على مستوى بسيط. إذ، يعربون عن الروتين اليومي، والمسؤوليات التي لا تنتهي، والتحدّيات الحياتية التي ترافق الزوجين. وأخيراً، قد يصلون إلى نقطة أن الزواج يسلخك عن حريتك، وعن قدرتك في عيش حياتك كما تحلو لك، بحسرة شديدة.
ومن هنا، لا بدّ أن يُطرح السؤال التالي: لماذا يصبح الزواج جحيماً، تنخره الوحدة وتبدّده البرودة؟ أهو فقدان الحب؟ أم فقدان التواصل الفكري؟ أم عدم فهم ماهية الزواج والإلتحام الروحي والنفسي؟ ومن هنا نستذكر عبارة الأديب الروسي الشهير أنطون تشيخوف، ” عليك أن تفهم أن الزواج من غير حبّ، عمل وضيع وغير جدير بالإنسان، تماماً كأنك تصلّي وأنت غير مؤمن “.
الأسباب الكامنة خلف شعور الوحدة الزوجية
تزوجت وما زلت تشعر/ين بالوحدة؟ هل تشعر/ين بأنك تعيش/ين في دوامة من التكرار اليومي الذي بات يشكّل حالة من الإختناق؟ كذلك هل تشعر/ين بأن شغف التواصل قد انقطع تماماً؟ لماذا يملئ الصمت أرجاء المنزل عندما تجلسان لتناول الطعام أو مشاهدة التلفاز؟ هل أصبحت العلاقة الحميمة ممارسة ميكانيكية خالية من النشوة والتحليق؟ كلّ هذه النتائج هي حصيلة تراكمات بسيطة ومعقّدة في الوقت نفسه.
1- انقطاع التواصل فيما بينكما
عندما تقدم/ين على اتخاذ قرار الزواج، يجب أن تفكر/ي ملياً بالجوانب التي تربطكما. إلاّ أن اللغط في فهم ماهية التواصل الحقيقي، يجعل الشغف في التواصل ساقطاً، عند مواجهة الظروف الصعبة، والتحدّيات، والتماهي مع المسؤوليات اليومية. مما يزيد من الشعور بالوحدة والعزلة.
2- عدم القدرة على فهم أطباع الشريك وتطلعاته
عندما كُتبت مسرحية ” المغنية الصلعاء “، للكاتب الفرنسي الروماني يوجين يونسكو مطلع الخمسينات، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي خلفت حالة من الإغتراب الإنساني. بحثت المسرحية في الرواسب الإجتماعية التي أصبحت بالية، غير قادرة على إعطاء الإنسان إنسانيته. بل على العكس، حوّلت هذه الرواسب الإنسانية إلى إطارات فارغة، عاجزة عن التواصل، وعن فهم رغباتها، وتناقضاتها، وتطلعاتها. فنجد أننا أمام زوجين لا يعرفان بعضهما البعض، بطريقة مبالغ بها ولكنّها أقرب إلى الحقيقة، من الخيال. نتيجة لهذا، قد تأتي الوحدة في العلاقة الزوجية نتيجة عدم القدرة على فهم أطباع الشريك، والتي تكون ناتجة عن اعتبارات ماديّة أخرى، لا تجعل الزواج ناجحاً كما المعتقد في مجتمعاتنا.
3- المضاعفات النفسية السابقة
تتزوج المرأة أحياناً للهروب من أجواء عائلتها العنيفة، أو بسبب الفراغ العاطفي، أو نتيجة حالة الإنكار الذاتي، أو ضغوطات المجتمع. كذلك، يقدم الرجل على قرار الزواج نتيجة أسباب قد تكون بعيدة كلّ البعد عن رغباته الحقيقيّة. على سبيل المثال، إشباع الجانب الذكوري فيه، أو تحقيق رغبة عائلته في إنجاب وليّ العهد. ما هذا الهراء!! هذه أسباب شديدة الوضاعة لاتخاذ قرار الزواج. لأن هذه الأسباب ستزيد حدّة المضاعفات النفسيّة، والتي ستؤثر بدورها على حالة الشخص المزاجية، وعلى شريكه، كذلك على الأطفال. في الحقيقة، يجب أن يكون الزواج التحاماً جسدياً وروحياً، يجعلك مدركاً لمعنى التضحية وتبادل الطاقات الإيجابية. لذلك، يجب معالجة نفسك والوعي لمشاكلك قبل اتخاذ قرار الزواج.
4- التوقعات غير الواقعيّة
فكرة المخلّص لا يمكن أن تنطبق على مؤسسة الزواج!! أنت مخلّص/ة نفسك، وأنت من تمتلك القدرة على فهم ذاتك لتستطيع/ي فهم من حولك. ضمن السياق نفسه، نجد أن هناك أشخاصاً كثيرين نتظرون من الشريك مبادرات خيالية في أحيان كثيرة. ولكن، عندما يكتشفون الحقيقة يصابون بالصدمة التي تجعلهم أكثر غضباً وعدوانية. مما يؤدي إلى رفض كلّ شيء حولهم، ما قد يسبب شعور بالوحدة والإنطوائية.
5- الضغوطات الأسرية والعملية
قد تؤدي الضغوطات المهنية والأسرية إلى تفكك العلاقة الزوجية وانقطاع التواصل في أحيان كثيرة. مما يؤدي إلى ازدياد الشعور بالوحدة، وفقدان الشغف اتجاه العلاقة العاطفية. وبهذا يصبح الزواج أشبه بحياة ميكانيكية تخلو من اللذات.
6- مقارنات مواقع التواصل الإجتماعي
مما لا شك فيه أن الإستخدام المتزايد لمواقع التواصل الإجتماعي ساهم في تفكك الأسر والتأثير بشكل سلبي على الصحة النفسية. على سبيل المثال، تغرق نساء كثيرات في دوامة المقارنة التي لا تنتهي بين وضعها المادي وما تراه من مثالية مهترئة على السوشيل ميديا. مما يزيد من عدم الرضا وانعدام الثقة بالذات. ومن هنا، قد تفقد المرأة القدرة على فهم ما تريد من الحياة، وقد تصل إلى مرحلة رفض للواقع ولأولادها. بالإضافة إلى أنها قد تدخل في حالة من العزلة. كذلك، تزيد هذه المقارنة انعدام التواصل بين الطرفين. مما يسبب حالة من الوحدة.
كيف تتغلب/ين على الوحدة في العلاقة الزوجية؟
لا يمكن إنكار أن الزواج مؤسسة يتخللها الروتين والتكرار أحياناً، والملل من المسؤولية أحياناً أخرى. ولكن، هذه المشاعر المتناقضة التي نمرّ بها أحياناً ليست محصورة على الزواج وحسب، وإنما في الحياة نفسها. من منّا لا يشعر بالملل؟ من منّا لا يشعر بالإحباط من وقت إلى وقت آخر؟
ولكن، يتحوّل الملل الآني في العلاقة الزوجية إلى تراكمات تؤدي إلى مضاعفات نفسية تطال جميع أفراد العائلة من جهة، بالإضافة إلى حالة أشبه بالهذيان تختلج الدواخل الشخصية العميقة للشخص من جهة أخرى. بعبارة أخرى، تصبح ردود الأفعال غير مفهومة تفتقد القدرة على السيطرة.
الحب، والتفاهم، والتواصل بعيداً عن القضايا الماديّة هي الأهم، وهي التي تبقى بدورها إلى آخر لحظات العلاقة. لذلك، وتجنباً لشعور الوحدة في العلاقة الزوجية، هناك العديد من الأشياء التي يجب الإنتباه إليها.
- إيجاد أفكار مشتركة للمناقشة.
- وضع خطط لتطوير العلاقة.
- المبادرات العاطفية من وقت إلى آخر.
- تجنب إلقاء اللوم على بعضكما البعض.
- الإبتعاد عن مواقع التواصل الإجتماعي.
- الخروج في نزهة مع الأطفال.
- التحدث بصراحة عند التعرض لمشاعر سلبية.